الأحد، 21 أبريل 2013

بين الجبايش و حسن كيف قصة مشتركة



نورس الشباني
For English click here
بدأ صمد (12) عام برسم لوحته ، و أصبح يغدق عليها بالألوان الزاهية و براءة الطفولة و جمال الطبيعة المحيطة به ما جعلها لوحة ناطقة ، خاصة بعد أن كتب جملة باللغة التركية توسطت لوحته ، لم أعرف معناها إلا بعد أن ترجمتها معلمتهم إلى اللغة الإنكليزية "Leave my Hasankayf" أي أتركوا حسن كيف خاصتي ، فهو يدرك كما كان يدرك باقي أهالي هذه القرية أن الحكومة التركية تعتزم غمر قريتهم بالمياه بعد بناء سد أليسو .
و تقع قرية حسن كيف في جنوب شرق تركيا في محافظة باتمان التي تبعد عن زاخو 150كم و تعد من المناطق القديمة تاريخياً حيث سجل أول تاريخ استيطان فيها بتاريخ 9500 ق.م ، عاش فيها الآشوريين و السريان و العرب أيضاً ، كما تشكل الأغلبية الكردية من وسطها اليوم ، و قد أعلنتها الحكومة التركية محمية طبيعية عام 1981 .

 و اعتزمت تركيا بناء سد أليسو عام 2006 و من المتوقع اكتمال بنائه  في 2015 على نهر دجلة بحجم لتوليد الطاقة الكهربائية بطاقة 1200 ميغا واط و السيطرة على جريان مياه نهر دجلة و تخرينه . و بناء السد قضية مثيرة للجدل لأن تركيا ستغمر فيه تاريخ قرية كاملة بالمياه و التي يصل عدد المواقع الأثرية المكتشفة فيها إلى تسعة عشر موقع أبرزها جسر دجلة القديم الذي بني في 1116 من قبل الأرتقيون ، و ضريح الزينل الذي دفن فيه زينل بك على الجهة الأخرى من نهر دجلة. وكان زينل بك بن اوزون حسن حاكم من سلالة اكويونلو التي حكمت حسن كيف في القرن 15 ، و قبر الإمام عبد الله و هو على شكل مكعب يقع إلى الغرب من الجسر الجديد في حسن كيف وكان عبد الله حفيد الإمام جعفر الطيار عم النبي محمد (عليه الصلاة و السلام) ويرجع تاريخ المقبرة إلى القرن 14 .

 
ضريح الزينل
و تأثير هذا السد يتعدى تركيا ليصل إلى الأهوار في قضاء الجبايش و جنوب العراق بصورة عامة و التي تستمد مياهها من نهر دجلة ، إذ سيعرضها للجفاف و القضاء على التنوع الإحيائي فيها ، فضلاً عن تهجير سكانها إلى مناطق أخرى بسبب القضاء على مصادر عيشهم و رزقهم ، ليس هذا فقط بل سيؤدي أيضاً إلى خطر جفاف نهر دجلة مما سيضطر الحكومة العراقية إلى عمل فروع من نهر الفرات إلى المدن التي تقع على نهر دجلة مما سيؤدي إلى إنخفاض مناسيب المياه في نهر الفرات ، و رغم كل هذه العواقب الوخيمة التي سيتعرض لها العراقيين إلا أننا لم نشهد موقفاً جدياً من الحكومة العراقية ضد بناء السد .
الأهوار في قضاء الجبايش
و تعاونت العديد من منظمات المجتمع المدني الدولية و العراقية في اتخاذ موقف رافض لبناء السد بالطريقة الحالية ، محاولة إنقاذ أهالي قرية حسن كيف و تاريخها في تركيا و إنقاذ العراقيين من أهالي مناطق الأهوار في العراق ، منها منظمة ICSSI و منظمة Nature Iraq و نشطاء من قرية حسن كيف نفسها و من العراق و تركيا و دول أخرى ، من أجل جعل حسن كيف موقعا للتراث العالمي لدى منظمة اليونسكو و بالتالي منع بناء السد و إغراقها .
الجسر القديم و قلعة حسن كيف القديمة
و كان لكل تلك المحاولات فضلاً عن الدعوى المقدمة من قبل غرفة المهندسين والتشكيليين التركية نتيجة جيدة ، إذ أصدرت شورى الدولة في تركيا حكماً يمنع بناء سد أليسو في 7 يناير 2013 نتيجة لعدم تقديم دراسة للضرر البيئي للسد من قبل الحكومة التركية ، و لكن تستطيع الأخيرة الاستئناف خلال سبعة أيام أو قد تلجأ إلى تمرير قانون جديد للالتفاف على القرار(لمعلومات أكثر أنقر هنا ).
و أحدث ما نفذته تلك المنظمات الدولية كان في أهوار الجبايش في العراق ، إذ تم تنظيم جولة تصويرية هناك شارك فيها العديد من المصورين العراقيين المحترفين تلا ذلك مخيماً في قرية حسن كيف للتعريف بتاريخها و كيف أن ضرر غمرها بالمياه لا يؤثر على القيمة التاريخية للقرية فقط ، بل على القيمة المعنوية لدى سكانها أيضاً .
و كان أحد الأنشطة المنفذة في ذلك المخيم الرسم من قبل الأطفال الذي نفذته تلك المنظمات الدولية مع المهتمين بشأن حسن كيف ، تم فيه عرض لوحات رسمها أطفال قضاء الجبايش (90كم شرق الناصرية) في العراق مع لوحات من رسم أطفال قرية حسن كيف ، تعددت فيها ألوان الربيع و تشابهت فيما تضمنته من رسم للمياه و الجبال إشارة إلى تأثر أولئك الأطفال بالطبيعة المحيطة بهم ، و يمكنني أن أتخيل ماذا سيرسمون لاحقاً بعد أن تتحول مناطقهم إلى صحراء مقارنة بالأهوار حالياً في جنوب العراق أو إلى منطقة مغمورة بالمياه مقارنة بالطبيعة الخلابة المزينة بالكهوف الجميلة في قرية حسن كيف في تركيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.